Published On:2014/10/09
Posted by alialsayed
سراديب الموتى باريس
باريس عاصمة الجمال، تلك البلد التي تشتهر بالمسارح والفنون، باريس العاصمة الصاخبة التي لا تعرف النوم .
فتعود أولى العلامات الأثرية الدالة على وجود مستوطنات دائمة إلى الفترة ما بين 4500-4200 قبل الميلاد. لذا فتعتبر باريس من أقدم المدن في العالم.
تلك المدينة التي لا يعرف غالبنا سوى الوجه الجميل لها أو شوارعها ولكن حين ندقق النظر إلى ما هو أسفلها تلك الأنفاق التي تمدد أسفل شوارع باريس سنجد وجه أكثر رعبا مما قد نتصوره.
فأسفل العاصمة الفرنسية هناك 280 كيلومترا من الأنفاق والدهاليزوالردهات والممرات المظلمة التي تشكلت خلال قرون مديدة من الحفر والتنقيب لاستخراج الجبس وصخور الحجر الجيري التي استخدمت في بناء المدينة نفسها.
في باريس القديمة، والتي كانت تدعى "لوتيتيا" في زمن الرومان، كانت المناجم المفتوحة فوق سطح الأرض مصدرتلك الصخور لتشيد المسارح و غيرها من الصروح الرومانية.
فبعد رحيل الرومان وانتصار قبائل الفرانك وسيطرتهم على بلاد الغال أو ما يسمى اليوم بفرنسا، أتخذ الملك كلوفيس الأول باريس عاصمة لمملكته عام 508 ميلادية، وبعدها بدأت تلك المدينة الصغيرة في الإزدهار والتوسع حتى زحفت أحيائها السكنية لتغطي مقالع الحجارة الغنية بالصخور، وهو ما جعل عملية الحفر المفتوح مستحيلا، مما اضطر عمال المناجم إلى الانتقال للحفر تحت سطح الأرض. وحين توج الملك فيليب الثاني ملكا على فرنسا عام 1180 ميلادية، تصاعدت أعمال الحفر وذلك لحاجته الماسة للأحجار ومواد البناء الأخرى من أجل تشييد سور كبير يحمي المدينة من هجمات الأعداء، وهكذا ظهرت أول شبكة للأنفاق الباريسية ثم توسعت باستمرار عبر القرون حتى امتدت تحت اغلب أجزاء العاصمة.
في القرن الثامن عشر شكلت الأنفاق والسراديب العميقة تحت باريس خطرا متزايدا على مباني وقصور المدينة، فأغلب هذه الأنفاق كانت مهجورة ولم يكن معلوما على وجه الدقة إلى أين تمتد وأين تنتهي، وهذا الأمر قاد في النهاية إلى تخسفات مهولة في أجزاء عديدة من باريس مما أدى إلى تدمير أحياء سكنية برمتها، وصار الناس مرعبون من أنفاق الموت المختبئة تحت منازلهم، ولهذا صدرت عام 1777 إرادة ملكية بوقف العمل في الأنفاق وإغلاق وردم أجزاء كبيرة منها.
لكن باريس القرن الثامن عشر لم تكن تعاني من الانهيارات فقط، بل كانت مشاكلها متنوعة ومتعددة، وهذا هو ما قاد في النهاية إلى تفجر الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789. وإحدى مشاكل باريس الكبرى آنذاك كانت جثث وهياكل الموتى!.
فكان سكانها يدفنون موتاهم في مقابر متفرقة حول المدينة حتى ضاقت تلك المقابر بموتاها، فتقرر حل المشكلة في القرن الثاني عشر الميلادي عن طريق افتتاح مقبرة مركزية جديدة أسمها مقبرة القديسين الأبرياء (Saints Innocents Cemetery ) ليدفن فيها الباريسيون جثث موتاهم. لكن بمرور الزمن تحولت المقبرة الجديدة إلى مشكلة بحد ذاتها، فالدفن فيها كان يتم بطريقة عشوائية غير منظمة، خصوصا بالنسبة للفقراء، حيث كانت جثثهم تكدس فوق بعضها وغالبا ما تدفن من دون كفن، وكان القساوسة يقومون بإفراغ القبور القديمة بين الحين والآخر وينقلون هياكل الموتى داخلها إلى مقابر جماعية عند أطراف المقبرة، وبهذا كانوا يفسحون المجال للمزيد من جثث الموتى الجدد.
فكانت مقبرة القديسين الأبرياء أشبه بمقابر تراكمت فوق بعضها حتى وصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أقدام، كانت أرضها ممتلئة بالجثث ولم يكن هناك متسع لموتى جدد، لكن مع هذا استمر المسئولون عنها في تكديس المزيد والمزيد .. وبالطبع فأن هذه الجثث المكدسة والمضغوطة داخل مساحات صغيرة أصبحت بالتدريج مصدر إزعاج كبير للسكان، فسوق المدينة المركزي كان يقع بالقرب من المقبرة؛ بسبب رائحة الجثث المتعفنة، وقد امتدت هذه الروائح الكريهة إلى مياه الشرب المستخرجة من الآبار فلوثتها، ثم وقعت الطامة الكبرى حين تهدمت بعض الأجزاء من جدران المقبرة نتيجة الضغط المتراكم فوقها فقذفت بالجثث المتفسخة والنتنة إلى الشوارع مما أدى إلى تفشي الأمراض والأوبئة.
أصبحت مقبرة القديسين الأبرياء تشكل مصدر إزعاج كبير في قلب باريس، لذلك حاولت السلطات إيجاد حل لهذه المشكلة، وقد خطرت لأحد ضباط الشرطة فكرة جيدة عام 1777، كان هذا الضابط يدعى أليكساندر لينور، وقد أقترح نقل جميع الجثث والهياكل العظمية الموجودة في مقبرة القديسين الأبرياء إلى بعض الأجزاء من شبكة الأنفاق الباريسية. وفي عام 1785 وافقت الحكومة على خطته فتقرر نقل المقبرة بأكملها إلى مجموعة من الأنفاق تقع إلى الجنوب من باريس.
نقل الموتى من المقبرة إلى الأنفاق لم تكن مهمة سهلة، فكان عدد الجثث يصل إلى شتة ملايين جثثمن الموتى المكدسين فوق بعضهم وصلت لثلاثين جيل من الفرنسين الذين عاشوا في باريسلذا استمرت هذه العملية لعدة سنوات.
كانت القبور تنبش أثناء الليل ثم تنقل الهياكل العظمية في عربات سوداء ضخمة إلى الأنفاق لتكدس هناك دون أي اهتمام بالعناية أو الترتيب، لكن في عام 1810 قام مهندس يدعى لويس دي توري بالإشراف على عملية ترتيب هذه العظام والجماجم إلى شكلها الحالي الذي يراه السياح عند زيارتهم لسرداب الموتى في باريس (Catacombs of Paris ).
فاليوم يذهب بعض من سكان فرنسا وسياحها إلى سراديب الموت ليشاهدوا تلك القبور، تلك القبور التي تبدأ بسلم طويل يتألف من 83 درجة أي ما يقرب إلى20 مترا ينتهي برواق معتم يسوده صمت ، الرواق الطويل بداية مدخل سراديب الموتى الذي موضوع في بدايتها صخرة كتب عليها بالفرنسية : "قف ، هذه إمبراطورية الموت"!، وسرعان ما تبدأ رحلة مع الموتى .. حيث العظام والجماجم التي تملأ المكان تلك الجماجم والعظام
سراديب موتى باريس التي تمتد لـ 1.7 كيلومتر، وهناك بوابات قديمة صدئة تخفي وراءها أقساما أخرى غير مسموح للسياح بالتجول داخلها.
فالعديد من الزوار قالوا بأنهم أحسوا بنسمة هواء باردة تلامس أجسادهم، وبعضهم شعروا بأن شخص ما يمشي خلفهم ويلاحقهم، وبعضهم سمع أصوات خفية تهمس في آذانهم.
بالإضافة إلى قتلى قتلهم عدد من اليساريين الفرنسيين بقتل مجموعة من أنصار النظام الملكي داخل أحد هذه السراديبفي عام 1871 ، كما إن المقاومة الفرنسية والجنود النازيين خاضوا جولات من القتال والمطاردات الدموية داخل هذه الأنفاق خلال احتلال الألمان لباريس في الحرب العالمية الثانية.