Published On:2014/12/12
Posted by alialsayed
10 ساعات للقاهرة
يقال ان في السفر سبع فوائد ولكن ما لم ذكره لنا أسلافنا أن للسفر أيضا أضرار. فقد تتصور أن السفر متعة وترفيه مهما كانت نيتك للسفر ولكن هذا التصور الحالم لا يكون مثل ما تصورت خاصة في بعض البلدان النامية مثل مصر أو دول كثيرة في أفريقيا أو بعض دول العالم الأخرى. ولكن لنكون أكثر واقعية أردنا أن نختار الواقع وما جرب بالفعل، ألا وهي أم الدنيا مصر. وقد يكون لهذا الاسم السبب في ما سنذكره في موضوعنا اليوم عن سوء المواصلات العامة في مصر خاصة للطبقة الفقيرة.
بل لنكون أكثر مصداقية أن الحكومة المصرية سواء الحالية أو غيرها من سابقيها لم تهتم مطلقا بالطبقة الفقيرة وهي الأكثر في مصر، وتصب كل اهتماماتها في مصلحة الطبقة المحدودة عددا والأكثر ثراء. ففي الحقيقة تسعى الحكومات دائما وأبدا لتوفير كل ما يتطلبه المجتمع المصري ولكن من الطبقة الغنية والتي تتمتع بالثراء وكل هذا بالطبع على حساب الفقير.
المهم موضوعنا اليوم عن رحلة من المفترض ان تكون سعيدة قصيرة ناجحة مريحة ولكن لم تبدو هكذا في الواقع، فهذه المسافة تتجاوز المائة كيلو ولا تتخطى المائة والخمسون كيلو متر للوصول إلى القاهرة ولكن قد تبدو لك إذا اخترت أن تسافر في قطار الشعب وهو قطار الدرجة الثالثة أمر سينسيك حلم السفر إلى اي مكان في العالم.
ففي البداية نوينا السفر إلى القاهرة وتم اختيار هذا القطار خصيصا (قطار الدرجة الثالثة) للكشف عن المعاناة التي تقع على كاهل كل مصري فقير او طالب أراد العلم فأُجبر على اختيار هذا القطار. ولزيادة المعاناة اخترنا (قطار ركاب) والمقصود بقطار الركاب هو ذلك القطار الذي يتوقف عند كل محطة ركاب سواء أكانت رئيسية أم فرعية المهم لديه هو أنه يتوقف عند كل محطة.
وبدات الرحلة في تمام الساعة الخامسة وخمسة وثلاثين دقيقة فجرا بتوقيت مصر. وبدأ الرحلة سلسلة ممتعة إلا اننا أخطئنا في اختيار الوقت تقريبا من حيث أنه كان مبكرا للغاية واختيارنا لفصل الشتاء، إذ ستتفاجئ عند دخولك لأول مرة بأن هذا القطار لا يحوي على أي زجاج للنوافذ مطلقا أما الأبواب فهي معطلة لا يمكنك غلقها فكلما أغلقتها تفتح مرة أخرى، لذا يجب عليك أخذ ملابس الشتاء القارس وكذلك شمسية!
لا تتعجب من الأمر ولكن من الندى الذي يتكثف على القطار تتساقط عليك قطرات الماء وكأنك تسير تحت المطر الخفيف. ولكن احذر أن تجلس على المقاعد وذلك لسببين أولهما أن هذا المقاعد غير مناسبة لجلوس اي مخلوق فهي بالكاد يطلق عليها اسم مقاعد مجاز فلا تحمل أي معنى لهذه الكلمة. والثاني أنك إن جلست ستجلس على تراب مبلل؟ نعم المقاعد تحمل عليها كمية ليست بالبسيطة من الأتربة والتي تشبعت بالماء المتساقط من النوافذ لذا قم بمسحها جيدا بمنديل، أود التنويه أن هذه المقاعد من اللدائن أو البلاستيك.
المهم أنك ستجلس أخيرا وسيمر عليك شخص لطيف يطلب منك التذكرة فيقطعها لنصفين دون أن ينفصلا دون أن ينظر إليها من وإلى أين أو حتى التاريخ المسجل عليها.
وستمر الساعات حتى تصل إلى محطة رئيسية هامة تعتبر محطة التقاء بين القطارات ولكن ستصلها بعد حوالي ساعتين أو ساعتين ونصف الساعة وذلك حسب السائق نفسه وعدد الركاب المنتظرون على المحطة. ولكن يا ترى كم هذه المسافة التي استغرق فيها القطار هذا الوقت؟ المسافة هي حوالي 35 كيلو متر إذا كم سنستغرق لكي نصل إلى مقصدنا القاهرة العاصمة؟
ولكن قبل أن نكمل حديثا لابد من وصف حجم الركاب ففي الحقيقة لم يكن القطار بالممتلئ في البداية ولكن في المحطة الأولى الرئيسية لم تكن ترى من بأمامك من كثرة من ركب وكأنك تعد جيش للهجوم على بلد ما والغريب أن الجميع طلبة أو الغالبية والأغرب أن هذا في الساعة السادسة والربع صباحا فماذا سيكون حال القطار التالي وهو القطار الأسرع على هذا الخط الفردي؟!
ثم المحطة التالية لم ينزل أحد من القطار بل صعد عدد أخر ليس بأقل من الأول وامتلأ القطار عن أخره وكان عدد عربات القطار حوالي 4 أو 5 عربات فقط فكنا بحاجة إلى قطار مثله أو قطارين ليحمل هذا الكم الهائل من البشر. ولكن مر الأمر دون أي تغيير وتأقلم جميع الركاب وبدأوا بفتح نقاشات معا ليروحوا عن أنفسهم طوال هذه المسافة
علما بأن جميع الركاب أو الغالبية منذ صعودها إلى نزولها في المحطة الأخيرة ظلوا واقفين لمدة ساعة ونصف إلى ساعتين، ثم جاءت المحطة الرئيسة الرابعة ولم ينزل أحد بل ازدادوا عددا وأصبح الأمر أشبه بيوم المحشر الكبير بجوار الصغير والرجل بجوار المرأة كل جاثم في مكانه لا يستطيع التحرك. ولكن هناك عدة أشخاص استطاعو التحرك وسط هذا الكم الهائل منذ البداية وتمثلوا في الكمسري والباعة الجائلين الذين يجوبون القطار ذهابا وإيابا بحث عن مشتري لبضائعهم بكافة أشكالها من مأكل وملبس وألعاب للأطفال ومشروبات ساخنة وبائع للمناديل وغيرهم وأصبح الأمر وكأنك تعيش في سوق أُكتظ بالناس والباعة. فالأفضل أن تذهب في سبات ولكن من الأفضل أن تبلغ من بجوارك أن ينبهك إذا غفلت عن مكان نزولك (مقصدك) لأنه قد يضيع عليك فرصة النزول وتبقى عالقا بهذا الشئ.
سنكمل لكم باقي القصة في موضوع أخر إن شاء الله